تذكر كتب السيرة النبوية أن الوحي نزل لأول مرّة على رسول الله محمد
وهو في غار حراء، حيث جاء
جبريل عليه السلام، فقال : اقرأ : قال : ( ما أنا بقارئ - أي لا أعرف القراءة ) ، قال
: ( فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني، فقال : إقرأ، قلت : مـا أنـا بقـارئ، قـال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلـغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال : اقرأ، فقلت : ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثـم أرسلـني، فقال : (( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم )) (سورة العلق : 1 - 5)، فأدرك رسول الله
أن عليه أن يعيد وراء جبريل عليه السلام هذه الكلمات، ورجع بها رسول الله
يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها، فقال : ( زَمِّلُونى زملونى ) ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة : (ما لي؟) فأخبرها الخبر، ( لقد خشيت على نفسي)، فقالت خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنطلقت به خديجة إلى ابن عمها
ورقة بن نوفل وكان حبراً عالماً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من
الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيراً فأخبره خبر ما رأي، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزله الله على
موسى . وقد جاءه جبريل عليه السلام مرة أخرى جالس على كرسي بين السماء والأرض، ففر منه رعباً حتى هوى إلى الأرض، فذهب إلى خديجة فقال: [ دثروني، دثروني ]، وصبوا على ماءً بارداً ، فنزلت : (( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ )) (المدثر : 1 - 5)، وهذه الآيات هي بداية رسالته ثم بدأ الوحى ينزل ويتتابع لمدة ثلاثة وعشرون عاماً حتى وفاته
.
الدعوةلما كان دين الإسلام يأمر بترك الشرك ويساوي بين السادة والعبيد في الحقوق والواجبات ويحث على تحرير العبيد كان ذلك كله مما يغضب سادة قريش فكانت الدعوة في بدء أمرها سرية لمدة ثلاث سنوات
[7] وممن سبق إلى
الإسلام أم المؤمنين
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وإبن عمه
علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان صبياً يعيش في كفالة الرسول
، ومولاه
زيد بن حارثة رضي الله عنه، وصديقه
أبو بكر الصديق رضي الله عنه. أسلم هؤلاء في أول أيام الدعوة. واستمرت الدعوة سراً حتى تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الأخوة في الدين والتعاون على البر والتقوى، وتتحمل عبء تبليغ الرسالة والتمكين لها، نزل الوحى يكلف الرسول
، بإعلان الدعوة والجهر بها.
الإضطهاداتأعمل المشركين كافة الأساليب لإحباط الدعوة بعد ظهورها في السنة الرابعة من النبوة، ومن هذة الاساليب السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب وإثارة الشبهات. و قالوا عن الرسول
: أنه مصاب بنوع من الجنون، وقالوا: إن له جناً أو شيطاناً يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان, وقالوا شاعر، وقالوا ساحر، وكانوا يعملون للحيلولة بين الناس وبين سماعهم
القرآن ، ومعظم شبهاتهم دارت حول توحيد الله، ثم رسالته، ثم بعث الأموات ونشرهم وحشرهم
يوم القيامة وقد رد
القرآن على كل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد، ولكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعاً في إحباط الدعوة الإسلامية إستشاروا فيما بينهم، وقرروا القيام بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وتصدوا لمن يدخل الإسلام بالأذى والنكال، حتى أنهم تطاولوا على رسول الإسلام وضربوه ورجموه بالحجارة في مرات عديدة ووضعوا الشوك في طريقه، إلا أن كل ذلك كان لا يزيد النبى وأصحابه إلا قوة وإيماناً، ومما زاد الامر سوءاً أن زوجته خديجة وعمه أبو طالب ماتا في عام واحد وسمى هذا العام بعام الحزن وكان ذلك في عام
619 م.
الإسراء والمعراجفى عام
620 م وبينما النبي محمد
يمـر بهذه المرحلة، وأخذت الدعوة تشق طريقهاً وقع حادث الإسراء والمعـراج، حيث يعتقد المسلمون أن الله أسرى بمحمد
من
المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى راكباً على البُرَاق، بصحبة
جبريل عليه السلام، فنزل هناك، وصلى بجميع الأنبياء إماماً، وربط البراق بحلقة باب المسجد. ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء فاستفتح له جبريل عليه السلام ففتح له، فرأي هنالك
آدم عليه السلام أبا البشر، فسلم عليه، فرحب به ورد عليه السلام، وأقر بنبوته، ثم قابل في كل سماء نبى مثل
يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم،
يوسف،
إدريس,
هارون وموسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام ثم عرج به إلى الله الجبّار جل جلاله، وفرض الصلوات الخمس في هذه الليلة وقد خففت إلى خمس صلوات بعد ان كانت خمسين صلاة.
الهجرةاشتد أذى المشركين في
مكة لمحمد
وأصحابه وتعرض لمحاولات اغتيال فبدأ يعرض نفسه في مواسم الحج على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن ينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما أرسله الله به للناس حتى سنة 11 من النبوة في موسم
الحج جاء ستة نفر من شباب يثرب وكانوا يسمعون من حلفائهم من
يهود في المدينة، أن نبياً من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج، فنتبعه، ونقتلكم معه. وعد الشباب رسول الله
بإبلاغ رسالته في قومهم وجاء في الموسم التالي اثنا عشر رجلاً، التقى هؤلاء بالنبي
عند العقبة فبايعوه بيعة العقبة الاولى. وفي موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من النبوة يونيو سنة
622م حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفساً من المسلمين من أهل المدينة، فلما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي
اتصالات سرية أدت إلى الاتفاق على هجرة رسول
وأصحابه رصوان الله عليهم إلى المدينة المنورة وعرف ذلك الاتفاق ببيعة العقبة الثانية. وبذللك يكون
الإسلام قد نجح في تأسيس دولة له, وأذن رسول الله
للمسلمين بالهجرة إلى المدينة. وأخذ المشركون يحولون بينهم وبين خروجهم, فخرجوا حتى لمْ يبق بِمكة, ِإلا محمد
وأَبو بكرٍ
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، همّ المشرِكون بِرسول الله
أَن يقتلوه، وَ اجتمعوا عِند بابه، فخرج من بينِ أَيديهِم لم يره منهم أَحد، وترك علي ليؤدي الأَمانات التي عنده، ثمَّ يلْحق بِه.
[8] و ذهب رسول الله
إِلى دارِ أَبِي بكرٍ، وكان
أَبو بكرٍ قد جهز راحلتين للسفر، فأَعطاها رسول الله
عبد الله بن أريقط، على أَنْ يوافيهِما في
غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، وانطلق رسول الله
وأَبو بكرٍ إِلَى الغار، وَ أَعمى الله المشرِكين عنهما، وفي يومِ الإِثنينِ العاشر من شهر رييع الأول سنة
622م دخل محمد
المدينة مع صاحبه
الصديق رضي الله عنه، فخرج الأَنصار إِليه وحيوه بتحية النبوة